إنتبهت من غفوتها واستعدت للرحيل الى الاخرة فقد سمعت من أبيها الصادق المصدق
الذي قال (من راني فقد راني ) سمعت منه نبأ إرتحالها فلا مجال للشك في صدق الخبر..
قف.. بنا لحظة لنبكي على هذه السيدة التي قد اقترب اجلها وهي تلمس رؤوس اطفالها
وابدانهم النحيفة وكإنها تودعهم وما يدريك لعلها كانت تبكي بصوت خافت وتتقاطر الدموع
لتسيل على وجهها المنكسف لتغسل الذبول المستولي عليه ودخل الامام علي
(عليه السلام) البيت واذا به يرى عزيزته قد غادرت فراش العلة وهي تمارس اعمالها
المنزلية رق لها قلب الامام حين نظر اليها وقد عادت الى اعمالها المتعبة فلا عجب اذا
سألها الامام عن سبب قيامها بتلك الاعمال بالرغم من إنحراف صحتها
إذن فالسيدة فاطمة في أواخر ساعات الحياة وقد حان لها ان تكاشف زوجها بما أظمرته
في صدرها طيلة هذه المدة من الوصايا التي يجب تنفيذها ولو بأغلى الأثمان ولا يمكن
التسامح فيها أبدا كأنها قد فرغت من أعمالها المنزلية وعادت الى فراشها
وقالت : يا أبن العم إنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لا أرى ما بي إلا أنني لاحقة بأبي
بعد ساعة وأنا اوصيك بأشياء في قلبي..
قال لها علي: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها ثم قالت يا ابن
العم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة منذ عاشرتني قال علي : معاذ الله أنت أعلم بالله
وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي وقد عز علي مفارقتك
وفقدك إلا أنه أمر لابد منه والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله وقد عظمت وفاتك
وفقدك فانا لله وانا اليه راجعون هذه مصيبة لا عزاء منها ولا خلف لها ثم بكيا ساعة
وأخذ الامام راسها وضمها الى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا أمضي
كل ما أمرتني به وأختارأمرك على أمري ..
فقالت: يا ابن العم إذا قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة
وحنطني بفاضل حنوط أبي رسول الله وصل علي وليصل معك الأدنى فالأدنى من أهل
بيتي .. يا ابن العم أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني فإنهم عدوي
وعدو رسول الله ولا تترك أن يصلي علي أحد منهم ولا من اتباعهم وأدفني في الليل اذا
هدأت العيون ونامت الابصار وعف موضع قبري
هذه وصية الزهراء التي تتجلى فيها مدى تألمها من ذلك المجتمع ومدى تذمرها من
الجفاة القساة انها اختارت ان تسجل اسمها في طليعة أسماء المظطهدين المحرومين
حتى يكون أسمها رمزا للمظلومية وليكون تشييع جثمانها تعبيرا عن سخطها على
السلطة وإعلان غضبها على كل من وقف من الزهراء موقفا سلبيا
أبكني ان بكيت يا خير هادي ::: وأسبل الدمع فهو يوم الفراق
يا قرين البتول اوصيك با ::: لنسل فقد اصبح حليف اشتياق
ابكني وابك لليتامــى ولا::: تنس قتيل العدى بطف العراق